بسم الله الرحمن الرحيم
التصوف الإسلامي في الوقت الراهن - ندوة تورينو
ندوة ضمن فعاليات معرض تورينو الدولي للكتاب 17 مايو 2009
عرض الباحث/ أحمد حسن أنور
يفرض علينا السياق الثقافي السائد في العالم الإسلامي النظر إلى التصوف الإسلامي بصورة واقعية معقولة ، فعندما تُذكَر كلمة "تصوف" في الأوساط الثقافية ينظر إليها بشيء من الريبة والشك فربما ربطها البعض بالتخلف والشعوذة ، وربما أخرجها البعض عن دائرة الإسلام ، وربما اعتبرها البعض موروثًا قديمًا لا قيمة له ولا حاجة لنا إليه الآن . والغريب أن هذه النظرات قد تناست العديد من الأمور ، أهمها : أنها تناست إسهام التصوف في كافة المجالات الثقافية التي قدمها المتصوفة المسلمون على مدار العصور الإسلامية ، كما تناست دور التصوف في نشر الإسلام في شتى بقاع العالم . وتناست أيضا دور التصوف المهم من الناحية الأخلاقية والروحية.
والآن ونحن نعيش في عالم يموج بصراعات متعددة ... عالم يسوده تيارات سياسية ودينية متباينة متصارعة ... عالم أغرقته سيطرة غرائزه المادية على كياناته الاجتماعية والإنسانية في أمواج متلاطمة مضطربة كانت لها انعكاساتها الخطيرة على قيمه ومبادئه وثقافته وبحيث لم يعد يعرف إلى أين أو متى ستنتهي به أزمته المادية الاقتصادية الراهنة ، فقد سيطرت المادية المتطرفة على هذا العالم ، وظهرت فيه نماذج من التيارات الدينية المتشددة التي باتت تسخر وتستغل المشاعر الدينية لدى البسطاء لصالح أغراضها السياسية ، وظهر فيه الاهتمام بالشكليات دون الجوهر ، والعديد من مثل هذه السلبيات .
ففي ظل هذه الظروف الصعبة ليس من الغريب أن يُهمَّش التصوف وسط هذه الماديات التي أصحبت مع الأسف معيار القيم لدينا ، وفى ظل هذه الظروف أيضا يظهر لنا مدى احتياجنا إلى التصوف . ويمكنني في هذا السياق التنبيه إلى عدة محاور هامة يهدف إليها التصوف ، منها :
1- محور العلاقة مع الله .
2- محور العلاقة مع الإنسان .
3- محور العلاقة مع الطبيعة .
فبالنسبة للمحور الأول : العلاقة مع الله ، فكما قال الإمام القشيري فالصوفي يهدف إلى العيش لله وبالله ومع الله ، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف يمر الصوفي بمجموعة من المحطات : الأخلاقية التي تؤدى إلى عملية الترقي الأخلاقي كي يصبح الإنسان خليفة الله على الأرض ، ثم الروحية التي يسميها الصوفية بـ "المقامات والأحوال" كالتوبة والزهد والورع والخوف والتوكل والشوق والمحبة . - ودعوني استشهد بقول رابعة العدوية (ت : 185هـ/801م ) التي اشتهرت باسم [ شهيدة العشق الإلهي ] ، حيث تقول : ( إلهي إذا كنت أعبدك خوفا من النار فأحرقني بها ، أو طمعا في الجنة فحرمها عليَّ ، وإذا كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمني من مشاهدة وجهك ) [التجليات الروحية، ص84 ] .
أما بالنسبة للمحور الثاني : الذي يحدد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، فقد قدم التراث الصوفي أنماطًا ونماذج رائعة تقوم على فكرة المحبة ، وليس هناك دليل على ذلك أقوى من التراث العظيم الذي تركه لنا العديد من المتصوفة من أمثال الحسن البصري ، والحسين بن منصور الحلاج ، وعمر بن الفارض ، وفريد الدين العطار ، وجلال الدين الرومي ، وغيرهم كثيرون . ولتسمحوا لي بالاستشهاد بأقوال بعض الصوفية .
ـ يقول المتصوف المصري عمربن الفارض (ت: 632هـ/1235) وقد اشتهر باسم [سلطان العاشقين]:
وعن مذهبي في الحب ما لي مذهب *** وإن ملت يوما عنه فارقت ملتي
Out of the way of love, I have no other way to go
Should I deviate from it, I would part with my religion
( التائية الكبرى، 64) ديوان بن الفارض ، تحقيق جوزيبى سكا تولين ، المعهد الفرنسي ، القاهرة
ـ ويقول المتصوف الأندلسي محيى الدين بن العربي (ت:638هـ/1240م):
لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورَةٍ
فمَرْعًى لغِزْلانٍ وديرٌ لرُهبانِ
وبَيتٌ لأوْثانٍ وكعبةُ طائفٍ ،
وألوَاحُ تَوْراةٍ ومُصْحَفُ قُرآنِ
أدينُ بدينِ الحُبّ أنّى توَجّهتْ
رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني
هذه نماذج تعبر عن عمق محبة الصوفي لأخيه الإنسان ، ليس هذا فحسب بل إن النزعة الصوفية بصفة عامة تسمح بإتاحة الفرصة للحوار والعيش مع الآخر، كما أنها ترفض أي نوع من التشدد الذي يؤدى إلى تعصب ، وتاريخ التصوف الإسلامي يؤكد ذلك.
وأما بالنسبة للمحور الثالث : وهو علاقة الإنسان بالطبيعة ، فقد أصحبنا نعانى اليوم من خطر يهدد النظام البيئي لكوكبنا مما يهدد وجودنا كبشر على هذا الكوكب ، فأصبح الإنسان يتفنن في تصنيع الأسلحة التي تقتل أخاه الإنسان وتؤدى إلى تدمير المخلوقات الأخرى . وكان من المدهش أن أجد نماذج من المتصوفة تدعو إلى المحبة ليس للإنسان فحسب بل لكل المخلوقات والجمادات ، مما يؤدى إلى احترام وجودها واعتبارها دليلاً على قدرة الله ، وعدم السير ضد القوانين الإلهية التي تحكم وتنظم سير الطبيعية.
ومن المحاور الثلاثة السابقة يمكن أن يتضح لنا أهمية التصوف ليس فقط من الناحيتين النظرية والأدبية ، بل ومن الناحيتين العملية والوجودية أيضًا .
ــــــــــــــ
المصدر : موقع التصوف الإسلامي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
التصوف الإسلامي في الوقت الراهن - ندوة تورينو
ندوة ضمن فعاليات معرض تورينو الدولي للكتاب 17 مايو 2009
عرض الباحث/ أحمد حسن أنور
يفرض علينا السياق الثقافي السائد في العالم الإسلامي النظر إلى التصوف الإسلامي بصورة واقعية معقولة ، فعندما تُذكَر كلمة "تصوف" في الأوساط الثقافية ينظر إليها بشيء من الريبة والشك فربما ربطها البعض بالتخلف والشعوذة ، وربما أخرجها البعض عن دائرة الإسلام ، وربما اعتبرها البعض موروثًا قديمًا لا قيمة له ولا حاجة لنا إليه الآن . والغريب أن هذه النظرات قد تناست العديد من الأمور ، أهمها : أنها تناست إسهام التصوف في كافة المجالات الثقافية التي قدمها المتصوفة المسلمون على مدار العصور الإسلامية ، كما تناست دور التصوف في نشر الإسلام في شتى بقاع العالم . وتناست أيضا دور التصوف المهم من الناحية الأخلاقية والروحية.
والآن ونحن نعيش في عالم يموج بصراعات متعددة ... عالم يسوده تيارات سياسية ودينية متباينة متصارعة ... عالم أغرقته سيطرة غرائزه المادية على كياناته الاجتماعية والإنسانية في أمواج متلاطمة مضطربة كانت لها انعكاساتها الخطيرة على قيمه ومبادئه وثقافته وبحيث لم يعد يعرف إلى أين أو متى ستنتهي به أزمته المادية الاقتصادية الراهنة ، فقد سيطرت المادية المتطرفة على هذا العالم ، وظهرت فيه نماذج من التيارات الدينية المتشددة التي باتت تسخر وتستغل المشاعر الدينية لدى البسطاء لصالح أغراضها السياسية ، وظهر فيه الاهتمام بالشكليات دون الجوهر ، والعديد من مثل هذه السلبيات .
ففي ظل هذه الظروف الصعبة ليس من الغريب أن يُهمَّش التصوف وسط هذه الماديات التي أصحبت مع الأسف معيار القيم لدينا ، وفى ظل هذه الظروف أيضا يظهر لنا مدى احتياجنا إلى التصوف . ويمكنني في هذا السياق التنبيه إلى عدة محاور هامة يهدف إليها التصوف ، منها :
1- محور العلاقة مع الله .
2- محور العلاقة مع الإنسان .
3- محور العلاقة مع الطبيعة .
فبالنسبة للمحور الأول : العلاقة مع الله ، فكما قال الإمام القشيري فالصوفي يهدف إلى العيش لله وبالله ومع الله ، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف يمر الصوفي بمجموعة من المحطات : الأخلاقية التي تؤدى إلى عملية الترقي الأخلاقي كي يصبح الإنسان خليفة الله على الأرض ، ثم الروحية التي يسميها الصوفية بـ "المقامات والأحوال" كالتوبة والزهد والورع والخوف والتوكل والشوق والمحبة . - ودعوني استشهد بقول رابعة العدوية (ت : 185هـ/801م ) التي اشتهرت باسم [ شهيدة العشق الإلهي ] ، حيث تقول : ( إلهي إذا كنت أعبدك خوفا من النار فأحرقني بها ، أو طمعا في الجنة فحرمها عليَّ ، وإذا كنت لا أعبدك إلا من أجلك فلا تحرمني من مشاهدة وجهك ) [التجليات الروحية، ص84 ] .
أما بالنسبة للمحور الثاني : الذي يحدد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، فقد قدم التراث الصوفي أنماطًا ونماذج رائعة تقوم على فكرة المحبة ، وليس هناك دليل على ذلك أقوى من التراث العظيم الذي تركه لنا العديد من المتصوفة من أمثال الحسن البصري ، والحسين بن منصور الحلاج ، وعمر بن الفارض ، وفريد الدين العطار ، وجلال الدين الرومي ، وغيرهم كثيرون . ولتسمحوا لي بالاستشهاد بأقوال بعض الصوفية .
ـ يقول المتصوف المصري عمربن الفارض (ت: 632هـ/1235) وقد اشتهر باسم [سلطان العاشقين]:
وعن مذهبي في الحب ما لي مذهب *** وإن ملت يوما عنه فارقت ملتي
Out of the way of love, I have no other way to go
Should I deviate from it, I would part with my religion
( التائية الكبرى، 64) ديوان بن الفارض ، تحقيق جوزيبى سكا تولين ، المعهد الفرنسي ، القاهرة
ـ ويقول المتصوف الأندلسي محيى الدين بن العربي (ت:638هـ/1240م):
لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورَةٍ
فمَرْعًى لغِزْلانٍ وديرٌ لرُهبانِ
وبَيتٌ لأوْثانٍ وكعبةُ طائفٍ ،
وألوَاحُ تَوْراةٍ ومُصْحَفُ قُرآنِ
أدينُ بدينِ الحُبّ أنّى توَجّهتْ
رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني
هذه نماذج تعبر عن عمق محبة الصوفي لأخيه الإنسان ، ليس هذا فحسب بل إن النزعة الصوفية بصفة عامة تسمح بإتاحة الفرصة للحوار والعيش مع الآخر، كما أنها ترفض أي نوع من التشدد الذي يؤدى إلى تعصب ، وتاريخ التصوف الإسلامي يؤكد ذلك.
وأما بالنسبة للمحور الثالث : وهو علاقة الإنسان بالطبيعة ، فقد أصحبنا نعانى اليوم من خطر يهدد النظام البيئي لكوكبنا مما يهدد وجودنا كبشر على هذا الكوكب ، فأصبح الإنسان يتفنن في تصنيع الأسلحة التي تقتل أخاه الإنسان وتؤدى إلى تدمير المخلوقات الأخرى . وكان من المدهش أن أجد نماذج من المتصوفة تدعو إلى المحبة ليس للإنسان فحسب بل لكل المخلوقات والجمادات ، مما يؤدى إلى احترام وجودها واعتبارها دليلاً على قدرة الله ، وعدم السير ضد القوانين الإلهية التي تحكم وتنظم سير الطبيعية.
ومن المحاور الثلاثة السابقة يمكن أن يتضح لنا أهمية التصوف ليس فقط من الناحيتين النظرية والأدبية ، بل ومن الناحيتين العملية والوجودية أيضًا .
ــــــــــــــ
المصدر : موقع التصوف الإسلامي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الثلاثاء ديسمبر 27, 2011 10:19 am من طرف بدران
» دعوة الأقاليم انفصال ونص اقليم لانبار واقليم البصرة
الثلاثاء سبتمبر 20, 2011 5:37 pm من طرف افلاك الحب
» صفت راس السنه مگــــــبره
الأحد يناير 02, 2011 4:24 pm من طرف افلاك الحب
» لبن عصفور
الأحد يناير 02, 2011 4:02 pm من طرف افلاك الحب
» غلطة الشاطر
الأحد يناير 02, 2011 3:54 pm من طرف افلاك الحب
» حسد عيشة
الأحد يناير 02, 2011 3:48 pm من طرف افلاك الحب
» شايل رمح
الأحد يناير 02, 2011 3:40 pm من طرف افلاك الحب
» سجل دخولك بالصلاة على اشرف الكائنات حبيبنا محمد المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم
الأحد يناير 02, 2011 3:39 pm من طرف افلاك الحب
» ظلي انتي بعيدة
الأحد يناير 02, 2011 3:32 pm من طرف افلاك الحب
» قوانين قسم الشعر الشعبي / يرجى الاطلاع لطفا
الأحد يناير 02, 2011 3:05 pm من طرف افلاك الحب
» كلمات رقيقة
الإثنين نوفمبر 15, 2010 5:36 pm من طرف افلاك الحب
» اعشق الشتاء
الإثنين نوفمبر 15, 2010 3:52 pm من طرف افلاك الحب
» ماقيل عن الزهور
الإثنين نوفمبر 15, 2010 3:15 pm من طرف افلاك الحب
» تحميل برامج كمبيوتر - اكبر مجموعة من البرامج الكاملة بين يديك download Programs AIO 2010
الأحد نوفمبر 14, 2010 6:43 pm من طرف افلاك الحب
» قصيدة ؛؛؛؛ بـــــك عراقــــي ؛؛؛؛؛؛
الأحد نوفمبر 14, 2010 6:35 pm من طرف افلاك الحب
» شـــــــــــــات أفلاك الحب
الأحد نوفمبر 14, 2010 6:02 pm من طرف افلاك الحب
» التداوي بالاعشاب
السبت نوفمبر 06, 2010 7:55 pm من طرف افلاك الحب
» مرض التوحد
السبت نوفمبر 06, 2010 6:50 pm من طرف افلاك الحب
» صور بنات عربيات جميلات يا عيني عليهم
السبت نوفمبر 06, 2010 4:33 pm من طرف افلاك الحب
» تحميل الفيلم الهندى الرائع لاميتاب وسلمان وبرينكا God Tussi Great Ho 2008 dvdrip مترجم
الأربعاء نوفمبر 03, 2010 5:39 pm من طرف افلاك الحب